فصل: الفصل الثامن عشر: غير ضرورية ولا ضارة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: القانون (نسخة منقحة)



.الفصل السابع عشر: موجبات الاحتباس والاستفراغ:

احتباس ما يجب أن يستفرغ بالطبع يكون إما لضعف الدافعة أو لشدة القوة الماسكة فتشبث به أو لضعف الهاضمة فيطول لبث الشيء في الوعاء تلبثاً من القوى الطبيعية إياه إلى استيفاء الهضم أو لضيق المجاري والسدد فيها أو لغلظ المادة أو لزوجتها أو لكثرتها فلا تقوى عليها الدافعة أو لفقدان الإحساس بالحاجة إلى دفعها إذ كان قد تعين في الاستفراغ قوة إرادية كما يعرض في القولنج اليرقاني أو لانصراف من قوة الطبيعة إلى جهة أخرى كما يعرض في البحارين من شدّة احتباس البول أو احتباس البراز بسبب كون الاستفراغ البحراني من جهة أخرى وإذا وقع احتباس ما يجب أن يستفرغ عرض من ذلك أمراض.
أما من باب أمراض التركيب فالسدة والاسترخاء والتشنج الرطب وما يشبه ذلك وأما من أمراض المزاج فالعفونة وأيضاً الحار الغريزي واستحالته إلى النارية وأيضاً انطفاء الحرارة الغريزية من طول الاحتقان أو شدته فيعقبه البرد وأيضاً غلبة الرطوبة على البدن.
وأما من الأمراض المشتركة فانصداع الأوعية وانفجارها.
والتخمة من أردأ أسباب الأمراض وخصوصاً إذا وافت بعد اعتياد الخواء مثل ما يقع من الشبع المفرط في الخطب عقيب جوع مفرط في الحدب.
وأما من الأمراض المركبة فالأورام والبثور.
واستفراغ ما يجب أن يحتبس يكون إما لقوة الدافعة أو لضعف الماسكة أو لإيذاء المادة بالثفل لكثرته أو بالتمديد لريحته أو باللذع لحدته وحرافته أو لرقة المادة فيكون كأنها تسيل من نفسها فيسهل اندفاعها وقد يعينها سعة المجاري كما يعرض لسيلان المني أو من إنشافها طولاً أو انقطاعها عرضاً أو انفتاحها عن فوهاتها كما في الرعاف وقد يحدث هذا الاتساع بسبب حادث من خارج أو من داخل وإذا وقع استفراغ ما يجب أن يحتبس عرض من ذلك برد المزاج باستفراغ المادة المشعلة التي يغتذي منها الحار الغريزي وربما عرض منه حرارة مزاج إذا كان ما يستفرغ بارد المزاج مثل البلغم أو قريباً من اعتدال المزاج مثل الدم فيستولي الحار المفرط كالصفراء فيسخن قد يعرض من ذلك اليبس دائماً وبالذات وربما عرضت منه الرطوبة على القياس الذي ذكرناه في عروض الحرارة وذلك عند اعتدال من استفراغ الخلط المجفف أو يعجز من الحرارة الغريزية عن هضم الغذاء هضماً تاماً فيكثر البلغم لكن هذه الرطوبة لا تنفع في المزاج الغريزي ولا تكون غريزية كما أن تلك الحرارة لم تكن غريزية بل كل استفراغ مفرط يتبعه برد ويبس في جوهر الأعضاء وغريزتها وإن لحق بعضها حرارة غريبة ورطوبة غير صالحة.
وقد يتبع الاستفراغ المفرط من الأمراض لأولي السدة أيضاً لفرط يبس العروق وانسدادها ويتبعه التشنج والكزاز وأما الاحتباس والاستفراغ المعتدلان المصادفان لوقت الحاجة إليها فهما نافعان حافظان للحالة الصحية فقد تكلمنا في الأسباب الضرورية بجنسيتها وإن كانت قد لا يكون أكثر أنواعها ضرورية فلنأخذ في الأسباب الأخرى.

.الفصل الثامن عشر: غير ضرورية ولا ضارة:

ولتتكلم الآن في الأسباب غير الضرورية ولا الضارة وهي التي ليست بجنسيتها في الطبع ولا هي مضادة للطبع وهذه هي الأشياء الملاقية للبدن غير الهواء فإنه ضروري بل مثل الاستحمامات وأنواع الدلك وغيرها ولنبدأ بقول كلي في هذه الأسباب فنقول: إن الأشياء الفاعلة في بدن الإنسان من خارج بالملاقاة تفعل فيه على وجهين: فإنها تفعل فيه إما بنفوذ ما لطف منها في المسام لقوة فيها غواصة نافذة أو لجذب الأعضاء إياها من مسامها أو بتعاون من الأمرين.
وإما أن تفعل لا بمخالطة البتة بل بكيفية صرفه محيلة للبدن وذلك إما لأن هذه الكيفية بالفعل كالطلاء المبرد بالفعل فيبرد أو الطلاء المسخن بالفعل فيسخن أو الكماد المسخن بالفعل فيسخن وإما لأن لها هذه الكيفية بالقوة لكن الحار الغريزي منها يهيج فيها قوة فعالة ويخرجها إلى الفعل.
وإما بالخاصية.
ومن الأشياء ما يغير بالملاقاة ولا يغير بالتناول مثل البصل فإنه إذا ضمد به من خارج قرح ولا يقرح من داخل ومن الأشياء ما هو بالعكس مثل الاسفيداج فإنه إن شرب غير تغييراً عظيماً وإن طلي لم يفعل من ذلك شيئاً.
ومنها ما يفعل من الوجهين جميعاً والسبب في القسم الأول أحد أسباب ستة: لحمما: أن مثل البصل إذا ورد على داخل البدن بادرت القوة الهاضمة فكسرته وغيرت مزاجه والثاني: أنه في أكثر الأمر يتناول مخلوطاً بغيره.
والثالث: أنه يختلط أيضاً في أوعية الغذاء برطوبات تغمره وتكسر قوته.
والرابع: أنه إنما يلزم من خارج موضعاً واحداً وأما من داخل فلا يزال ينتقل.
والخامس: أنه إما من خارج فيلتصق إلصاقاً موثقاً وأما من داخل فإنما يماس مماسة غير ملتصقة.
والسادس: أنه إذا حصل في الباطن تولت تدبيره القوة الطبيعية فلم يلبث الفضل منه أن يندفع والجيد أن يستحيل دماً وأما ما يختلف من حال الاسفيداج فالسبب فيه أنه غليظ الأجزاء فلا ينفذ في المسام من خارج وإن نفذ لم يمعن إلى منافس الروح وإلى الأعضاء الرئيسة وأما إذا تنوول كان الأمر بالعكس وأيضاً فإن الطبيعة السمية التي فيها لا تثور إلا بفرط تأثير الحار الغريزي الذى فينا فيه وذلك مما لا يحصل بنفس الملاقاة خارجاً وربما عاد عليك في كتاب الأدوية المفردة كلام من هذا القبيل.

.الفصل التاسع عشر: موجبات الاستحمام والتضحّي بالشمس:

قال بعض المتحذلقين: خيرُ الحَمام ما قدَمُ بناؤه واتسع هواؤه وعذب ماؤه، وزاد آخر: وقدر الأتون توقد بقدر مزاج من أراد وروده.
واعلم أن الفعل الطبيعي للحمام هو التسخين بهوائه أو الترطيب بمائه.
والبيت الأول مبرد مرطب.
والثاني مسخن مرطب.
والثالث مسخّن مجفّف.
ولا يلتفت إلى قول من يقول: إن الماء لايرطب الأعضاء الأصلية تشرّباً ولا لفًا لأنه قد يعرض من الحمام بعدما وصفناه من تأثيراته وتغييراته تغييرات أخرى بعضها بالعرض وبعضها بالذات فإن الحمام قد يعرض له أن يبرد بهوائه من كثرة التحليل للحار الغريزي وأن يجفف أيضاً جوهر الأعضاء التحليلية لكثير الرطوبات الغريزية وإن أفاد رطوبات غريبة.
وإذا كان ماؤه شديد السخونة يتقشعر منه الجلد فيستحصف مسامه لم يتأد من رطوبته إلى البدن شيء ولا أجاد تحليله.
وماؤه قد يسخن ويبرد أما تسخينه فبحماه إن كان حاراً إلى السخونة ما هو دون الفاتر فإنه يبرّد ويرطب وبالحقن إذا كان بارداً فإنه يحقن الحرارة المستفادة من هوائه ويجمعها في الأحشاء إذا أورد باردا على البدن وأما تبريده فذلك إذا كثر فيه الاستنقاع فيبرد من وجهين: أحدهما لأن الماء بالطبع بارد فيبرد آخر الأمر وإن سخن بحرارة عرضية لا يثبت بل يزول ويبقى الفعل الطبيعي لما تشربه البدن من الماء وهو التبريد وأيضاً فإن الماء وإن كان حاراً أو بارداً فهو أرطب وإذا أفرط في الترطيب حقن الحار الغريزي من كثرة الرطوبة فيطفئها فيبرد.
والحمام قد يستعمل يابساً فيجفف وينفع أصحاب الاستسقاء أو الترهل وقد يستعمل رطباً فيرطب وقد يقعد فيه كثيراً فيجفف بالتحليل والتعريق وقد يقعد فيه قليلاً فيرطب بانتشاف البدن منه قبل التعرق.
والحمام قد يستعمل على الريق والخواء فيجفّف شديداً ويهزل ويضعف وقد يستعمل على قرب عهد بالشبع فيسمن بما يجذب إلى ظاهر البدن من المادة إلا أنه يحدث السدد بما ينجذب بسببه إلى الأعضاء من المعدة والكبد من الغذاء غير النضج وقد يستعمل عند آخر الهضم الأول قبل الإخلاء فينفع ويسمن باعتدال ومن استعمل الحمّام للترطيب كما يستعمله أصحاب الدق فيجب عليهم أن يستنقعوا في الماء ما لم تضعف قواهم ثم يتمرخوا بالدهن ليزيد في الترطيب وليحبس المائية النافذة في المسام ويحقنها داخل الجلد وأن لا يبطئوا المقام وأن يختاروا موضعاً معتدلاً وأن يكثروا صب الماء على أرض الحمام ليكثر البخار فيرطب الهواء وأن ينقلوا من الحمام من غير عناء ومشقة يلزمهم بل على محفة تتخذ لهم وأن يطيبوا بالطيب البارد كما يخرجون وأن يتركوا في المسلخ ساعة إلى أن يعود إليهم النفس المعتدل وأن يسقوا من المرطبات شيئاً مثل ماء الشعير ومثل لبن الأتان.
ومن أطال المقام في الحمام خيف عليه الغشي بإسخائه القلب.
ويثرر به أولاً الغثي.
وللحمام مع كثرة منافعه مضار فإنه يسهل انصباب الفضول إلى الأعضاء التي بها ضعف ويرخي الجسد ويضرّ بالعصب ويحلل الحرارة الغريزية ويسقط الشهوة للطعام ويضعف قوة الباه.
وللحمام فضول من جهة المياه التي تكون فيه فإنها إن كانت نطرونية كبريتية أو بحرية أو رمادية أو مالحة طبعاً أو بصنعة بأن يطبخ فيها شيء من ذلك أو يطبخ فيها مثل الميوزج ومثل حب الغار ومثل الكبريت وغير ذلك فإنها تحلل وتلطف وتزيل الترهل والتربّل ويمنع انصباب المواد إلى القروح وينفع أصحاب العرق المديني.
والمياه النحاسية والحديدية والمالحة أيضاً تنفع من أمراض البرد والرطوبة ومن أوجاع المفاصل والنقرس والاسترخاء والربو وأمراض الكلي وتقوي جبر الكسر تنفع من الدماميل والقروح.
والنحاصية تنفع الفم واللهاة والعين المسترخية ورطوبات الأذن.
والحديدية نافعة للمعحة والطحال.
والبورقية المالحة تنفع الرؤوس القابلة للمواد والصدر الذي بتلك الحال وتنفع المعدة الرطبة وأصحاب الاستسقاء والنفخ.
وأما المياه الشبية والزاجية فينفع الاستحمام فيها من نفث الدم ومن نزف المقعدة والطمث ومن تقلب المعدة ومن الإسقاط يغر سبب ومن التهيّج وفرط العرق.
وأما المياه الكبريتية فإنها تنقي الأعصاب وتسكن أوجاع التمدّد والتشنج وتنقي ظاهر البدن من البثور والقروح الرديئة المزمنة والآثار السمجة والكلف والبرص والبهق ويحلل الفضول المنصبة إلى المفاصل وإلى الطحال والكبد وتنفع من صلابة الرحم لكنها ترخي المعدة وتسقط الشهوة.
وأما مياه القفرية فإن الاستحمام فيها يملأ الرأس ولذلك يجب أن لا يغمس المستحم بها رأسه فيها وفيها تسخين في مدة متراخية وخصوصاً للرحم والمثانة والقولون ولكنها رديئة للنساء.
ومن أراد أن يستحم في الحمامات فيجب أن يستحم فيها بهدوء وسكون ورفق وتدريج غير بغتة وربما عاد عليك في باب حفظ الصحة من أمر الحمام ما يجب أن يضيف النظر فيه إلى النظر إلى ما قيل وكذلك القول في استعمال الماء البارد.
وأما التضحي إلى شمس الحارة وخصوصاً متحركاً لا سيما متحركاً حركة شديدة كالسعي والعدو مما يحلل الفضول بقوة ويعرّق النفخ ويحلل أورام التربل والاستسقاء وينفع من الربو ونفس الانتصاب ويحلل الصداع البارد المزمن ويقوي الدماغ الذي مزاجه بارد وإذا لم يتبل من تحته بل كان مجلسه يابساً نفع أوجاع الورك والكي وأوجاع الجذام واختناق الدم ونقى الرحم.
فإن تعرض للشمس كثف البدن وقشفه وحممه وصار كالكي على فوهات المسام ومنع التحلّل.
والسكون في الشمس في موضع واحد أشد في إحراق الجلد من التنقل فيها وهو أمنع للتحلل.
وأقوى الرمال في نشف الرطوبات من نواحي الجلد رمال البحار وقد يجلس عليها وهي حارة وقد يندفن فيها وقد ينثر على البدن قليلاً قليلاً فيحلل الأوجاع والأمراض المذكورة في باب الشمس.
وبالجملة يجفف البدن تجفيفاً شديداً.
وأما الاستنقاع في مثل الزيت فقد ينفع أصحاب الاعياء وأصحاب الحميات الطويلة الباردة والذين بهم حمياتهم مع أوجاع عصب مفاصل وأصحاب التشنج والكزاز واحتباس البول.
ويجب أن يكون الزيت مسخّناً من خارج الحمام.
وأما إن انطبخ فيه ثعلب أو ضبع على ما نصفه فهو أفضل علاج لأصحاب أوجاع المفاصل والنقرس.
وأما بل الوجه ورش الماء عليه فإنه ينعش القوة المسترخية من الكرب ولهيب الحميات وعند الغشي وخصوصاً مع ماء ورد وخل وربما صحح الشهوة وأثارها ويضرّ أصحاب النوازل والصداع.

.الجملة الثانية: سبب لكلّ واحد من العوارض البدنيّة:

وهي تسعة وعشرون فصلاً: